لعل السؤال المطروح في هذا الباب، لماذا كان التدبر مأمور به شرعا ومرغب فيه؟
والإجابة على هذا السؤال يمكن معرفتها من خلال تبـيِّـن أهمية التدبّر من وجوه عدة:
1. منها أن الله تعالى جعل التدبر أحد مقاصد وغايات نزول القرآن
كما في قوله سبحانه
{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}[ص:29] وإلى هذا المعنى أشار الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- بقوله: " وأما كون تدبّر آياته، من حِكَم إنزاله: فقد أشار إليه في بعض الآيات؛ بالتَّحضِيض على تدبّره وتوبيخ من لم يتدبَّـره، كقوله {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] [1 ].
فدلّ هذا على وجوب تدبر القرآن الكريم لمعرفة معانيه والعمل بما فيه كما أشار إلى هذا المعنى الإمام الطبري في تفسير الآية بقوله: (ليتدبروا حجج الله التي فيه وما شرع فيه من شرائعه فيتعضوا ويعملوا به)[2 ].
2. القرآن الكريم بحر فائض من الخيرات وريَّة الرحمن للعالمين
وقد قال الرافعي-رحمه الله-: (القرآن الكريم يعطيك معان غير محدودة في كلمات محدودة)[3 ] .
وهذا البحر الفائص لابد وأن الغوص فيه بالتدبر يُمَكِّن من استخراج الحلول للمشاكل المستجدة في كل العصور وهو ما يـُسمى بصلاحية الإسلام لكل زمان ومكان.
3. أنه سبب لشحن النفس نحو الخير ومنعها من الشر
فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يكرر الآية الواحدة عشرات المرات ...وما ذلك إلا تقليب الآية والتفكر فيها.
التدبر يعني الإهتمام وبالتالي التطبيق والممارسة
وهي النقطة الأهم في حياة الأمة، كما يقول عمر عبيد حسنة: " فإذا تدبّرنا القرآن نقلناه إلى حقول الممارسة على الأقل أو إلى ميادين السلوك"[4 ]
4. التدبر في القرآن كان سببا في تغيير حياة كثير من الناس وأولهم الصحابة رضي الله عنهم[ 5].
5. قراءة القرآن أو سماعه بتأمل يورث معرفة الله وتعظيمه
ومن ثـمّ يعقل النفس من الوقوع في الـمهالك، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف:201] [ 6].
6.قراءة القرآن أو سماعه بتذكّر يلين القلوب ويطمئنها
ومن ثمّ يبعث فيها روح الخشية والخوف والرجاء والوجل، قال تعالى{ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:23][7 ]
* قراءة القرآن أو سماعه بالتفهم لمعانيه وما أريد به يستوجب محبّة الله للعبد، وقد عدّه ابن القيم أول الأسباب العشرة الجالبة للمحبة والموجبة لها[8]، فقال: (قراءة القرآن بالتدّبّر والتفهم لمعانيه وما أُريد به، كتدبّر الكتاب الذي يحفظه العبد ويشرحه ليَتفهم مراد صاحبه منه)[ 9].