لا شك أن لتدبر القرآن الكريم فضائل كثيرة، ويكفيه فضلا أن الله تعالى أمر به في القرآن أمر إيجاب لكافّة الناس بما فيهم الكفار والمنافقين، مما يدل بجلاء على أن له ثمار وآثار وفضائل، وسنذكر بعضا منها:
*علم التدبر امتثال لأمر الله عز وجل الذي أمرنا بأن نتلوَ هذا القرآن حق تلاوته وأن نتأسى بالذين يتلون القرآن حق تلاوته وهو أيضاً استجابة لأمر الله عز وجل وأمر رسوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ {الأنفال:24}.
إن في التدبر مُباينة لطريق الغافلين ومخالفة للكفار والمنافقين ، قال الله عز وجل ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾{محمد:24}، لأن مقصود تنزُّل القرآن هو التدبر كما قال تعالى ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾{ص:29} .
*في التدبر طاعة لله عز وجل وجلب لمحبة الله سبحانه وتعالى ومرضاته، ولذا فإن ثمرة التدبر السعادة في الحياة الدنيا وفي الآخرة وأن تدبر القرآن يدل على العلوم النافعة والأعمال الزاكية التي توصل إلى سعادة الدارين.
الدُّخول فيمَنْ أثنى الله عليهم بتدبُّر القرآن: أثنى الله عزّ وجل - في مواضع كثيرة من القرآن - على أنّ مَنْ تدبَّر كلامه وتأثَّر به، وبيَّن أن ذلك صفةُ عباد الله الخاشعين كقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [الأنفال: 2-4]، ووجه زيادة إيمانهم عند سماع القرآن هو؛ أنَّهم ألقوا السَّمع للقرآن، وأحضروا قلوبهم لتدبُّره، فعند ذلك ازداد إيمانهم ويقينهم.
عدم التَّعرُّض إلى الذَّمِّ لترك التَّدبُّر: فقد ذمَّ الله تعالى حال مَنْ هجر تدبُّر القرآن الكريم، ولم يفقه الآيات، ولم يدَّبَّرِ القول في صيغ مختلفة، وأحوال متنوِّعة ، ومنها قوله تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ﴾ [النساء: 82]، قال القرطبي-رحمه الله-: (عابَ المنافقين بالإعراض عن التَّدبُّر في القرآن، والتَّفكُّر فيه، وفي معانيه) .
أنه السبيل الأمثل للوصول إلى معاني كتاب الله تعالى والاستفادة منه، فالقرآن بالنسبة لمن يحفظه وقرؤه من غير فهم؛ عبارة عن كلمات مرصوصة تكوّن جملا موزونة غير مفهومة .
ولابن قيم الجوزية -رحمه الله-كلام جميل في بيان فضائل تدبر القرآن الكريم وتأمُّله وما يعود على القارئ بالنفع والفائدة الشيء الكثير في الدنيا والآخرة؛ فيقول: "لَيْسَ شَيْءٌ أَنْفَعَ لِلْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، وَأَقْرَبَ إِلَى نَجَاتِهِ مِنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ، وَإِطَالَةِ التَّأَمُّلِ فِيهِ، وَجَمْعِ الْفِكْرِ عَلَى مَعَانِي آيَاتِهِ، فَإِنَّهَا تُطْلِعُ الْعَبْدَ عَلَى مَعَالِمِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ بِحَذَافِيرِهِمَا، وَعَلَى طُرُقَاتِهِمَا وَأَسْبَابِهِمَا وَغَايَاتِهِمَا وَثَمَرَاتِهِمَا، وَمَآلِ أَهْلِهِمَا، وَتَتُلُّ فِي يَدِهِ مَفَاتِيحَ كُنُوزِ السَّعَادَةِ وَالْعُلُومِ النَّافِعَةِ، وَتُثَبِّتُ قَوَاعِدَ الْإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ، وَتُشَيِّدُ بُنْيَانَهُ وَتُوَطِّدُ أَرْكَانَهُ، وَتُرِيهِ صُورَةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ فِي قَلْبِهِ...وَبِالْجُمْلَةِ تُعَرِّفُه الرَّبَّ الْمَدْعُوَّ إِلَيْهِ، وَطَرِيقَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ، وَمَا لَهُ مِنَ الْكَرَامَةِ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِ، وَتُعَرِّفُهُ فِي مُقَابِلِ ذَلِكَ ثَلَاثَةً أُخْرَى: مَا يَدْعُو إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ، وَالطَّرِيقَ الْمُوصِلَةَ إِلَيْهِ، وَمَا لِلْمُسْتَجِيبِ لِدَعْوَتِهِ مِنَ الْإِهَانَةِ وَالْعَذَابِ بَعْدَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ. فَهَذِهِ سِتَّةُ أُمُورٍ ضَرُورِيٌّ لِلْعَبْدِ مَعْرِفَتُهَا، وَمُشَاهَدَتُهَا وَمُطَالَعَتُهَا...
وَفِي تَأَمُّلِ الْقُرْآنِ وَتَدَبُّرِهِ، وَتَفَهُّمِهِ، أَضْعَافُ أَضْعَافِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْحِكَمِ وَالْفَوَائِدِ .