يمكن تقسيم مراحل تدبر القرآن الكريم إلى خمسة مراحل[1] على النحو الآتي:
المرحلة الأولى: اليقين التام بحاجتك إلى القرآن
إن حاجة الإنسان إلى القرآن في حياته أعظم من حاجته إلى الطعام والشراب، فهو بمثابة الروح الملازمة للجسد، فمع القرآن يكون الإنسان حيّاً وبدونه ميت، ومبصر وبدونه أعمى، مهتدٍ وبدونه ضال، كما قال الله تعالى: { وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52]، وقال تعالى: { أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ ۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ }[الرعد:19]، وقال الله عز وجل: { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۖ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } [يونس:108] [2] .
المرحلة الثانية: العلم بأن خطاب القرآن موجه إلى القلب:
من المعلوم أن القلب هو سيد أعضاء الإنسان وهو المؤثر فيها صلاحا وفسادا كما نصّ على ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب"[3]، كما وردت عدة آيات قرآنية تؤكد أن القلب هو المقصود الأول بالخطاب القرآني والتدبر والتعقّل، فمن ذلك:
قوله تعالى:{ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء:193-194]
ففيها أن القرآن أول ما نزل إنما نزل على القلب.
وفي قوله تعالى:{ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37]، فيها بيان تأثر القلب وانتفاعه بمواعظ القرآن وعبره كلما استحضره صاحبه.
وفي قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24]، دليل على أن القلب هو محل تدبر القرآن ، إذا أزيلت عنه الموانع والأقفال[4].
المرحلة الثالثة: كيف نقرآ القرآن
لما كان القرآن الكريم من الأهمية بمكان كان لزاما على أهل الإسلام أن يعرفوا كيفية قراءته، ويكفي أن في القرآن جاء البيان لكيفية تلاوته في سورة الإسراء والقيامة، عند قوله تعالى:{ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء:106]، وقوله تعالى:{ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة:16] ففيهما استحباب التأني والترسّل في القراءة وترك العجلة، وذلك لأن الإسراع بالقرآن يتنافى مع الخشوع والتدبر وحضور القلب، وبالتالي يقل الانتفاع بالقراءة.
هذا ومن آداب القراءة التي تعين على التدبر أيضا:
-تكرار الآيات؛ لتنبيه الذهن والقلب إلى محتواها.
- الجهر بالقراءة؛ إذا لم يكن فيه إحراج لمن يجلس بجوارك.
-تحسين الصوت بالتلاوة؛ وقد النبي عليه الصلاة والسلام:"زينوا القرآن بأصواتكم".
المرحلة الرابعة: التخلص من موانع الفهم
فإن حصول التدبر لا بد له من فهم لبعض معاني الكلمات والآيات المتلوة، ولهذا ينبغي على المسلم أن يجتهد في مطالعة كتب التفسير وكتب غريب القرآن حتى يحصّل القدر الواجب في فهم المعنى العام للآيات، وفي مقابل ذلك عليه اجتناب كل ما من شأنه أن يمنع عنه الفهم الصحيح والنور والهداية، ألا هو الذنوب والمعاصي والبدع والخرافات، قال تعالى:{ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ ۖ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ } [الأنفال:23]، قال الزّجّاج: (وهم معرضون عمّا أسمعهم لمعاندتهم)[5].
المرحلة الخامسة: من أي القرآن نبدأ
فقد كان من هدي الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يبدأون من سور المفصل ويعلمون أبناءهم سور المفسر كما ثبت ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول لبنيه: (إن كان أحد منكم متعلما فليتعلم من المفصل فإنه أيسر)[6].
وكان الحسن البصري يقول: (إن الله أودع علوم الكتب السابقة في القرآن، ثم أودع علوم القرآن في المفصل، ثم أودع علوم المفصل في الفاتحة، فمن علم تفسير الفاتحة، كان كمن علم تفسير جميع الكتب المنزلة)[7] .
*جزاكم الله خيرًا ونفعكم ونفع بكم*