24 23 330 19 60 +
info@kata-tadabbur.com

مقاصد تدبر القرآن

انشأ من قبل أكاديمية القبلة في مفهوم التدبر ومتعلقاته 8 Mar 2023

إذا تقرر في العناصر السابقة أن تدبر القرآن الكريم واجب على المؤمنين ولما له من المنافع والفضائل، فبلا شك أن من وراء ذلك حِكم وغايات ومقاصد سامية قصدها الشارع الحكيم ، ومن تلكم المقاصد نذكر ما يلي:


المقصد الأول: زيادة الإيمان

إنّ أهم مقصد من مقاصد التدبر في القرآن الكريم، هو أنه عندما يُـتلى القرآن الكريم بتدبّر، يشعر القارئ بزيادة الإيمان في قلبه، بل إن مقياس التدبر يُعرف بزيادة الإيمان، فإذا كان المسلم يشعر بزيادة في إيمانه فإنه يتدبّر القرآن ، كما قال الله تعالى:﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال:02].
ووجه ذلك أنهم يلقون له السمع ويحضرون قلوبهم لتدبّره، فعند ذلك يزيد إيمانهم؛ لأن التدبّـر من أعمال القلوب؛ ولأنّـه لابد أن يبيّن لهم معنًى كانوا يجهلونه، أو يتذكرون ما كانوا نسوه، أو يُـحدِث في قلوبهم رغبة في الخير، واشتياقًا إلى كرامة ربـّهم، أو وجلًا من العقوبات، وازدجارًا عن المعاصي، وكل هذا مما يزداد به الإيمان .وكان المؤمنون الأوائل إذا أنزلت سورة من القرآن ازدادوا إيمانًا وتصديقًا وإقرارًا.


المقصد الثاني: العمل الصالح

إنّ المقصد الثاني من مقاصد تدبر القرآن، هو العمل الصالح، والامتثال لأمر الله ونهيه، وهو ثمرة الإيمان وعاقبة التدبر؛ لذلك حتى يتحقق التدبر في القرآن، يجب أن يكون بنية العمل والامتثال بما فيه، ولو أننا تلونا القرآن، ولم نعمل بما فيه لا يمكن أن نكون قد تدبرناه. ولقد حثّنا القرآن على العمل والامتثال لما جاء فيه ، قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾{البقرة:121} . وقال تعالى ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾{ص:29}، قال الطبري-رحمه الله-: ( أي ليتدبروا حجج الله التي فيه، وما شرع فيه من شرائعه، فيتعظوا ويعملوا به) ، فالمقصود أن يكون هذا القرآن منهاجا للعمل وهاديا للسلوك؛ لأن من تدبّر كلام الله كان ذلك دافعا له للعمل، ومن أحسن العمل نال المنازل العالية في الدنيا والآخرة، قال رسول الله ﷺَ :" إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين" رواه مسلم


المقصد الثالث: الهداية إلى الحق والصواب


قد علمنا أن المقصد الأول من مقاصد التدبر هو: زيادة الإيمان، وأن المقصد الثاني هو: العمل الصالح، وهو ثمرة ونتيجة الإيمان، وأنهما متلازمان، فلا إيمان بلا عمل، ولا عمل بلا إيمان. فالأول لوحده مبتور لم يبلغ تمامه، والثاني لوحده مقطوع لا ركيزة له، وبهما معا يتحقق المقصد الثالث من مقاصد التدبر وهو: الهداية إلى الحق والصواب، مصداقا لقول الله تعالى:
﴿ إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾
{الإسراء:09}، فالإيمان والعمل هما القاعدتان الأصيلتان التي تبنى عليهما الهداية. وإنّه مما يؤكّد على أنّ الهداية مترتبة على العمل والاتّباع قول الله تعالى: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾{المائدة:16}، أي: أن الإنسان إذا اتبع الهدى الوارد من الله سبحانه وتعالى على لسان رسله سلم من أن يعتريه شيء من ضلال في الدنيا، وهو أيضًا لا يشقى في الآخرة؛ لأنه إذا سلم من الضلال في الدنيا سلم من الشقاء في الآخرة .
المقصد الرابع: تحصيل العلم النافع
إنّ المقصد الرابع من مقاصد تدبر القرآن الكريم هو: تحصيل العلم النافع، وهو أمر مهم لتحقيق المقاصد الثلاثة السابقة؛ ليكون الإيمان والعمل والهداية عن علم واتباع لما جاء به الشرع.
أن المنبع الأصيل والمصدر العظيم لطالب العلم هو القرآن الكريم، فهو زاخر بالعلوم النافعة للإنسان في حياته الدنيا وآخرته ، قال الله تعالى:﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ﴾{النحل:89}، وقوله تعالى: ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾{الأنعام:38}
أي: ما تركنا في القرآن من شيء من أمر الدين؛ إما تفصيلًا أو إجمالًا إلا قد تمّ بيانه، ومن جهة أخرى يخشى أن تكون حال من يقرأ ويحفظ دون تدبر كحال من سبقنا من الأمم التي عاب الله عليها مثل ذلك قال الله تعالى:﴿ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾ {البقرة:78} .

المقصد الخامس: إظهار ما في القرآن من بركات والاستفادة منها:
لا شك أن القرآن تكمن بركته في أمور كثيرة منها: كثرة أوامره ونواهيه، وتنوع مواعظه وزواجره، والاعتبار بما فيه من القصص والأخبار، وتعقل أمثاله وما اشتمل عليه من الوعد والوعيد، والترغيب والترهيب، من أجل أن يرعوي العبد فيستدرك ما وقع له من تقصير، ويزداد من الإقبال والتشمير في طاعة الله تعالى لتحصل له السعادة في الدارين .
ولهذا قال السيوطي :(وتسنّ القراءة بالتدبر والتفهم، فهو المقصود الأعظم والمطلوب الأهم، وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب) .
فالقرآن بحر زاخر من الخيرات، وهبة من الرحمن للعالمين، فهو يعطيك معان غير معدودة في كلمات محدودة، وهذا البحر الزاخر المملوء بالمعاني غير المحدودة لا ولن نستطيع أن نخرج دره إلا بالتدبر.


المقصد السادس: بيان عالمية المنهج القرآني وواقعية:


﴿ تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلۡفُرۡقَانَ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦ لِيَكُونَ لِلۡعَٰلَمِينَ نَذِيرًا  ﴾ [ الفرقان: 1]، قال ابن كثير: (إنما خصَّه به-أي بالقرآن- ليَخُصَّه بالرسالة إلى من يستظل بالخضراء، ويستقل على الغبراء، كما قال صلوات الله وسلامه عليه: "بعثت إلى كل أحمر وأسود") ، فرسالة القرآن عالمية، ومنذ نزل القرآن على النبي في أول آية منه نزل عالميا، وأصبح بلوغ القرآن لمجموع الخلق أو آحادهم حجة عليهم وداعيا لهم ومبشرا ونذيرًا.
وهذه العالمية لا يكون لها التأثير الممتد امتداد الزمان إلا لما يتضمن من المعاني الواقعية، التي تصوّر الحياة في أعدل أحوالها، وتعالج النفس البشرية على اختلاف طبائعها وأصنافها بعيدا عن نظريات يتشدق الناس بها ولا يحققونها، ويتصورونها ولا يتعاملون بها. فلا يشعر معها المتلقي بمثاليات أو تصورات ذهنية لا حقيقة لها على الواقع ولا إدراك لها في الحقيقة، ولا تزال تتكشف له من المعاني ما تطمئن إليه النفس ولا ذلك إلا عن طريق التدبر .


المقصد السابع: إحياء الفهم السليم للقرآن:


يقصد بإحياء الفهم السليم للقرآن؛ إحياء منهج السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان في تلقي الإسلام وفهمه وتطبيقه والعناية بتوثيق المنقول عنهم في هذا الباب، من أهم مجالات تطبيق العلوم الإسلامية . هذه نقطة مهمة، بل هي قاعدة عظيمة يجب استصحابها دائما في تدبر معاني القرآن، حتى تفضي بنا إلى أفكار جديدة نبسط بها ميادين المعرفة بسطًا في فهم كلام الله تعالى.
المقصد الثامن: تفويت الفرصة على من يريد تحريف كلام الله أو تأويله:


إن تدبر كلام الله والعيش معه والنظر في المعاني المتجددة التي تجود بها الآيات القرآنية فيما يصلح حياة الناس ضمن القواعد و الضوابط الشرعية التي يفهم بها كلام الله تعالى، يقطع الطريق أمام كل من يريد ان يحمّل النصوص ما لا تحتمل بحجة التجديد، وهم بذلك يستخدمون مصطلحا شرعيّا لترويج منهج فاسد، ولذلك ظهرت باسم "تجديد الخطاب الديني" مناهج محدثة وأفكار حداثية تدعو إلى إعادة قراءة النص، أو القراءة المعاصرة للنصوص دون مرجعية علمية، بل ولا نزعة إيمانية دينية.، فإحياء التدبر بين الناس بنقائه وصفائه، على منهج أصيل يقف بإذن الله امام من يريد تمييع ثوابت الدين تحت هذا المسمى .



المراجع  



مفهوم التدبر في القرآن الكريم، مقال في موقع مع الله، | مع الله (maa-allah.com)
مفهوم التدبر في القرآن الكريم، مرجع سابق. | مع الله (maa-allah.com)
الطبري ابن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ج21،ص190.
فريق برئاسة أ.د. محمد بن عبد العزيز العوجي، مقرر تدبر القرآن الكريم للدراسات العليا: ص130.
مفهوم التدبر في القرآن الكريم، مرجع سابق. | مع الله (maa-allah.com)
مفهوم التدبر في القرآن الكريم، مرجع سابق. | مع الله (maa-allah.com)
فريق برئاسة أ.د. محمد بن عبد العزيز العوجي، مرجع سابق، ص134.
السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، ج1، ص140.
فريق برئاسة أ.د. محمد بن عبد العزيز العوجي، مرجع سابق، ص134.
ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج6، ص92.
فريق برئاسة أ.د. محمد بن عبد العزيز العوجي، مرجع سابق، ص135.
ابن صغير محفوظ، التجديد في العلوم الإسلامية ودوره في حل مشكلات الواقع المعاصر، ص318.
العوجي، مرجع سابق، ص137.

التعليقات (0)

اللائحة العامة لحماية البيانات

نحن نتفهّم أن خصوصيتك على الإنترنت أمر بالغ الأهمية، وموافقتك على تمكيننا من جمع بعض المعلومات الشخصية عنك يتطلب ثقة كبيرة منك. نحن نطلب منك هذه الموافقة لأنها ستسمح للجزيرة بتقديم تجربة تعطي فعليّاً صوتا لمن لا صوت لهم.