الحكم الشرعي لتدبر القرآن الكريم:
التدبر واجب؛ بالجملة على أهل الإيمان وهم مأمورون به لأنهم أهل الانتفاع وكل بحسب قدراته وطاقاته والله عز وجل قال: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾{ص:29} والملاحظ أن كلمة التدبر جاءت في القرآن الكريم في أربع مواضع، في قوله تعالى ﴿كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته) {ص:29} وقوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾{النساء:82} وفي قوله تعالى ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾{محمد:24} وقال سبحانه ﴿أفلم يدبروا القول ﴾ {المؤمنون:68} ، وهذه الآيات الأربع جاءت في سياق مخاطبة الكافرين والمنافقين وعابت عليهم إعراضهم عن تدبر القرآن والتفكر فيه ، فيُفهم من ذلك أن أهل الإيمان من باب أولى مخاطبون بهذه الآيات؛ لأنهم أهل الاتعاظ والاعتبار والعمل. (أكاديمية القبلة لتدبر القرآن الكريم ) .
إجماع المفسِّرين على وجوب تدبُّر القرآن:
دلَّت هذه الآيات - وما في معناها - على وجوب تدبُّر القرآن العظيم، وقد أجمع على ذلك جمهور المفسِّرين، وهذه بعض النُّقول الواردة عنهم في هذا الشَّأن:
• قال الطبري -رحمه الله-: (في حَثِّ اللهِ عزّ وجل عباده على الاعتبار بما في آي القرآن من المواعظ والبيِّنات. ما يدلُّ على أنَّ عليهم معرفةَ تأويل ما لم يُحْجَبْ عنهم تأويله من آيِـهِ؛ لأنَّه مُـحالٌ أنْ يُقال لـمن لا يَفهمُ ما يقالُ، ولا يَعقلُ تأويلَه: اعتبرْ بمـا لا فَهْمَ لك به. إلاَّ على معنى الأمر، بأنْ يفهمَه ويفقَهَـه، ثم يتدبَّره ويعتبـر به).
وقال القرطبي -رحمه الله-:(ودلَّ قولُه تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ﴾ على وجوب التَّدبُّر في القرآن؛ لِيُعْرَفَ معناه) .
وقال ابن عطيَّة الأندلسي-رحمه الله- في قوله تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ﴾ (وهذا أمرٌ بالنَّظر والاستدلال) .
وقال أبو السُّعود -رحمه الله-: (إنكارٌ واستقباح؛ لعدم تدبُّرهم القرآن، وإعراضهم عن التَّأمُّل فيما فيه من موجبات الإيمان) .
وقال الشَّوكاني -رحمه الله-: (ودلَّت هذه الآية، وقولُه تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ على وجوب التَّدبُّر للقرآن؛ لِيُعْرَفَ معناه، والمعنى: أنَّهم لو تدبَّروه حقَّ تدبُّره لَوَجدوه مؤتلِفًا غير مختلف، صحيحَ المعاني، قويَّ المباني، بالغًا في البلاغة إلى أعلى درجاتها) .
وقال السُّيوطي رحمه الله: (وتدبُّر الكلام بدون فهم معانيه لا يمكن، وأيضًا: فالعادة تمنع أن يقرأ قوم كتابًا في فنٍّ من العلم؛ كالطِّبِّ والحساب، ولا يستشرحونه، فكيف بكلام الله الذي هو عصمتهم، وبه نجاتهم وسعادتهم، وقيام دينهم ودنياهم) .
وقال الزَّركشي-رحمه الله-: (وبالجملة؛ فالقرآن كلُّه لم يُنزله تعالى إلاَّ لِيُفْهِمَه، ويُعْلَمَ ويُفْهَمَ، ولذلك خاطب به أُولي الألباب الذين يعقلون، والذين يعلمون، والذين يفقهون، والذين يتفكَّرون) .